السيرة الذاتية لسماحة العلامة الشيخ : علي عبدربه الزير
((باسمه تعالى))
السيرة الذاتية
لسماحة العلامة
الشيخ : علي عبد ربه الزير
تمهيد :
لقد شهدت الساحة الشيعية في الآونة الأخيرة بروز صف جديد من طلبة العلوم الدينية في المدينة، صف التحق في الدروس الحوزوية بالمواكبة مع حالة جديدة من الوعي الشيعي وبذلك انضمت طبقة جديدة إلى طبقات المعممين الشيعة مختلفة في ظروف النشأة والتكوين عن الطبقتين السابقتين لها.
فبينما كانت الأسر العلمية تتوارث الاشتغال بالشأن الديني في ظروف تكاد تكون حصرية خلال عقود سابقة أصبح الالتحاق بخط رجال الدين أكثر إغراء للشباب ليس لمن ينشأ في أسر علمائية بالضرورة. بل، وجوبهت تقاليد هذه الأسر وإيقاع عطائها الديني بشيء من الاستخفاف الراديكالي لصالح صيغة جديدة ثورية الطابع في التوجهات والمقاصد.
وهكذا لم يعد طلب العلم حكراً على عائلات معينة، بل وجد شباب كثيرون بغيتهم للتغيير وتحقيق الذات، من خلال إعادة توجيه مسار دراستهم وانشغالاتهم المهنية باتجاه طالب علم حوزوي في حوزة تختلف عن الحوزة الأولى. فقد أصبحت القطيف والأحساء وسوريا هي الوجهة بدلاً من قم والنجف التي كانت تشهد تضييقاً على الدروس والمراجع .
من هنا، كانت السنين حبلى بتكوين طراز جديد من رجال الدين الشباب بأمزجة ومشارب مختلفة عن سابقيهم من المشايخ النجفيين ومن هؤلاء الشباب سماحة العلامة الشيخ علي عبد ربه الزير .
العلاقة بالعلماء الأكبر سناً :
ربما يمثل سماحة الشيخ عبدالهادي يوسف ((قده)) ، وسماحة الشيخ حيدر منسي الفار (( قده )) جيلاً في المنزلة بين المنزلتين لجهة العلاقة بالعلماء الأكبر سناً أمثال سماحة آية الله الشيخ محمد على العمري (( قده )) وسماحة آية الله السيد محمد أحمد اللواساني (( قده )) وسماحة الشيخ حمزة عود (( قده )) وسماحة الشيخ علي بن حميد العلاسي الفرعي (( قده )) ، ولكن من جاءوا في الإثر كانوا نماذج مثالية لهذا التكوين الجديد الذي ينبض برؤى مغايرة. فقد هجر البعض من الطلبة دراسته الإعدادية ، وحزم حقائبه ليستقر في الأحساء ، وشمّر عن ساعد الجد في صفوف بعض من زملائه في القطيف لينتهي كل منهما إلى تجربة متقاطعة مع الآخر. واستقطبت حوزة الأحساء عمائم شابة أخرى، ربما كانت أصغر سناً وذهبت عناصر أخرى عند السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بي أبي طالب في الحوزة العلمية الزينبية في سوريا كا سماحة الشيخ علي عبد ربه وسوف نتناول شيء من سيرته وحياته في هذا المقال .
أسمه ونسبه :
علي بن عبدربه الزير علم من أعلام الفقه في المدينة المنورة وواحد من الذين فنوا اعمارهم الشريفة في سبيل هذا المذهب واعلاء كلمة الحق ونصرت المذهب الجعفري (حفظ الله لنا الأحياء منهم وقدس الله أسرار الاموات منهم).
كنيته ولقبه :
كنيته أبو محمد ولقبه الزير وينتمي إلى الشطر من شليه
ولادته ونشأته :
ولد عام 1389هجرية بالمدينة المنورة وتوفي عام 1446هجرية وبذلك يكون عمره الشريف 57 عاماً ونشأ في أسرة موالية متدينة وترعرع في ظل والده ليتغذى الولد النبيل من مناهل العلم والمعرفة والأخلاق ، وينعم بالعطف والحنان ، فيشب على الإيمان وحب آل البيت عليهم السلام
تعليمه :
تعلّم الشيخ علي مبادي القراءة والكتابة في مدرسة سلمان الفارسي الابتدائية ثم انتقل بعد ذلك إلى متوسطة عمر بن الخطاب وأكمل فيها دراسة المرحلة المتوسطة ثم انتقل إلى الثانوية الصناعية وتخرج منها وعمل فتره وترك العمل وذهب إلى سورية لطلب العلم .
في الحوزة العلمية :
بدأ دراسة المقدّمات والسّطوح في الحوزة الزينبية عتد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في بلاد الشام حيث درس المقدمات (أصول المظفر ، شرائع الإسلام) وكتاب (اللمعة الدمشقية) وكتاب (الدراية في الحديث)على يد الشيخ محمد الواعظي ودرس (( النحو والصرف )) على يد الشيخ بنوان اللامي المعروف بأبو زيد ودرس السطوح والسطوح العليا (( الكفاية ، والعقائد)) على يد سماحة العلامة الشيخ محمد رضا أحمدي ثم عاد إلى المدينة ليتصدى للمهام الشرعية
عودته للمدينة :
عاد سماحة الشيخ علي للمدينة واقام صلاة الجماعة في مجلس الرحوم عيد محيسن المدني في البشرية ثم أنتقل بعد ذلك إلى مجلس المرحوم حسن قفاره وانتقل بعد ذلك إلى مجلس سامي بنجي في شوران واهتم بحضور الناس والشباب إليها والمحافظة عليها وأصبحت مجالس مهمه لكل المناسبات الدينية والاجتماعية واهتم بمسالة تفقيه الشباب بالمسائل الابتلائية كان من حرص الشيخ رحمه الله على الشباب الجلوس معهم وفتح الحوارات الفكرية والعقدية حول أهل البيت مارس في المدينة تدريس مرحلة السطوح لطلبة العلم الديني .
صفاته وأخلاقه :
عاش الشيخ علي رحمه الله خلوقاً ، متواضعاً ، حسن السيرة ، صاف السريرة ، زاهداً، عابداً، كثير الصمت ، وقوراً ، متّزناً ، تعلوه الهيبة، عُرف عنه حلمه وصبره ، وبُعد نظره في اتخاذ القرارات.
تواضعه :
كان الشيخ رحمه الله شديد التواضع ، سمحا عطوفا يعامل الاخرين بلطف, ولهذا اصبح محبوبا ومهابا من قبل الجميع ، ولا عجب ان يجد التواضع الى تلك الروح الواسعة سبيلا. ومن عاش معه بل كل من التقاه ولو لساعات قليلة قد لمس فيه التقرب الى كل الناس على اختلاف طبقاتهم ، وحبه للفقراء والمحتاجين والمحرومين ، كما أنه كان يتمتع بدعابات لأقرانه وأترابه من الآباء الذين عاش معهم بدايات حياته ورافقوه في اول طريقه من الشباب الى الكهولة.
التقوى والعبادة والزهد:
كان مثالاً رائعاً للورع والزهد ولم يخف على أحد مدى تقواه وورعه فهي بادية للعيان وهي من السمات التي تنطبع في قلب من يراه ويجالسه من اول وهلة ، فعفة لسانه وترفعه عن الحرام والشبهات في كل شيء ونُبْلُ أخلاقه كل ذلك ليس الا انعكاسا لتقواه وورعه.
وكان يحرص بشكل ملفت على الالتزام حرفيا بوصايا أهل البيت في مختلف شؤؤنه راغبا بذلك الثواب ورضا الله سبحانه وحده، ومن ذلك حرصه على صلة رحمه والنظر في أحوالهم وقضاء حاجاتهم وملاطفته.
واما الزهد فهو مضرب المثل فيه ، فكل من عرفه يعرف مقدار ما يمكن أن يحصل عليه من الاضواء والشهرة لو طلبها وسعى إليها، لكنه مع ذلك كله كان أبعد ما يكون عن البحث عن الجاه والسمعة .
صبره وحلمه:
مع كل ما عاناه الشيخ علي رحمه الله من بلاءات رافقته مع امتداد عمره ومن تحديات وصراعات من اجل المبدأ وحفظ مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومع كل الوان الاذى التي كابدها والمعاناة واعتلال الجسد بالأمراض ، إلا أنه أظهر صبراً عجيباً وصموداً متيناً أمام ذلك كله ، فلم يتضجر ولم يتبرّم ولم يشكُ لأحد أبداً بل كان الرجل الصامد والجبل الشامخ والمجاهد الصبور .
الحكمة وبعد النظر :
لا يختلف اثنان ممن عرف الشيخ علي وعاشره في مدى دقته في التعاطي مع الأمور بحكمة العالم المسؤول الحكيم الذي يحسب لكل شيء حسابه ويضع الأمور في مواضعها ، إذ لم يستطع أحد أن يسجل عليه موقفاً متهوراً أومندفعاً في علاقاته مع الداخل والخارج.
صمته :
كان الشيخ رحمه الله يميل الى الصمت كثيراً وبشكل ملفت ، فقد تجلس عنده لساعات فلا تسمع منه إلا القليل من الكلمات التي يشارك بها جلساءه وضيوفه بالتحية وحسن المجاملة ، أما إذا سئل عن مسألة دينية فنراه يفيض في شرحها بما يناسب السؤال ويسد حاجة السائل.
الوقار والاتزان:
كان الشيخ يجمع بين خصلتين قلما تجتمع لإنسان: فقد كان يجمع بين البساطة والعفويّة من جهة والهيبة والوقار من جهة أخرى ، وعندما تقترب منه وتتحدث معه تشعر أنك قريب من قلبه كثيراً وكأنك أحب الناس إليه ، لكنك تشعر مع ذلك أنك لا تسطيع أن تقتحم عليه أسوار العظمة التي تغمره وأستار الجلالة التي تُحلّيه والتي سبغها عليه العلم والتقوى والفضيلة.
اعماله :
لم تتوقف اهتمامات الشيخ علي في الشؤون الاجتماعية عند حد معين، بل شملت مختلف البلاد، وكانت على مختلف المستويات، فسعى إلى التخفيف من معاناة المؤمنين وآلامهم، وبذل ما بوسعه لمساعدتهم حيث تحمل عناء السفر إلى إندونيسيا ليشرف بنفسه على كفارات لبس المخيط وطريقة الذبح .
وكـان لـلشيخ رحمه الله اهتمام كبير بإحياء مناسبات اهل البيت (عليهم السلام ), وبالخصوص احياء مـجالس عزاء ابي عبد اللّه الحسين (عليه السلام ), اضافة الى قيامه بالعبادات المستحبة مثل النوافل اليومية والتهجد بالليل وغير ذلك .
قام سماحة السيد محمد حسين مبارك الخطيب الحسيني المعروف بتأبينه بقصيده بعنوان
(( الرحيل المر )) يقول في بعض أبياتها :
فقــــدناك والقــــلب الكــــبير كأنه
كتاب حوى نور الحقيقة في سطر
فقــــدناك والعمر النــــدي تعـــثرت
به رحـــــــلة الأيام في قصـــــة الصبر
فقدناك والدرس الذي كنت عقله
وكنت به أبحــــــرت في لجــــــة الفكر
تقـــوض كــــرسي به ومنـــــارة
بك انطلقت بالشفع فيك وبالوتر
توجهه :
كان رحمة الله علية رافضاً ومحارباٌ بقوة لبعض التوجهات الأخيرة التي ظهرت في أوساط بعض الطلبة والمثقفين من أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام في المدينة وغيرها من المدن الشيعية .
وفاته:
وافاه الأجل المحتوم صباح يوم الإثنين الخامس عشر من شهر جماده الثانية لعام 1446هـ ونظر لوفاته في مدينة الرياض أخر دفنه إلى عصر يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر جماده الثانية حين الانتهاء من الإجراءات الرسمية لعملية نقل الجثمان والدفن حيث قام بالصلاة عليه وتلقينه سائر الاعتقادات الحقة سماحة الشيخ محمد عبد المطلوب الحمزاوي ووري جثمانه الطاهر الثراء في بقيع الغرقد بموكب مهيب، حضره مئات من المؤمنين أتباع مذهب أهل البيت عصر يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر جماده الثانية لعام ست واربعين وأربع مئة والف من هجرة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
تحميل ملف الشيخ علي عبدربه الزير
بقلم
أ/ ناصر علي الصاوي